0:00
لقد أصبحت علامة ال-IQ شائعة جدًا وقد نظر إليها الناس على مدى سنين طويلة
على أنها الوسيلة الوحيدة لتقييم المواهب،
إلى أن ظهر باحث ذكي من جامعة هارفارد اسمه هوارد غاردنر قام
بتعريف الذكاء بشكل مختلف تمامًا عن طريقة تعريفه حتى ذلك الحين.
زعم غاردنر أن المهارات المعرفية هي مكون واحد فقط من مكونات الذكاء وأن
هناك مكونات لا يقوم الاختبار بقياسها، ولكن ينبغي أن تشكل هذه المكونات جزءًا مما نطلق عليه الذكاء.
بالإضافة إلى القدرة اللفظية والحسابية قام بإضافة تآزرية العضلات
التي تكون مرتفعة لدى الرياضيين والراقصين الموهوبين، وكذلك القدرات الموسيقية التي يتوقع
أن تكون عالية لدى العازفين أو الملحنين الموهوبين،
وعدا عن ذلك فقد أضاف مهارات معرفة الآخرين ومهارات معرفة الذات،
أي المهارات الاجتماعية والوظائف العاطفية.
لقد قام بتقسيم الذكاء إلى سبع قدرات مختلفة ودعا إلى ضرورة قياسها جميعًا
وهكذا فسيتم اعتبار الأشخاص الموهوبين رياضيًا أو موسيقيًا أشخاصًا يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء.
مثلاً، لا نعرف ما هي علامة ال-IQ حسب اختبار ويكسلر،
لموسيقيين أو رياضيين موهوبين مثل موزارت والبيتلز وماردونا ومايكل جوردان، ولكن
لا شك في أن لدى هؤلاء الأشخاص مواهب استثنائية ولا ينبغي أن
نعلق عليها أهمية أقل من القدرات المعرفية.
إن القول بأن الذكاء متعدد ولا ينحصر فقط في القدرات المعرفية
أدى إلى ظهور مجال جديد جذب الكثير من الانتباه، ألا وهو مجال الذكاء العاطفي.
لدراسة الذكاء العاطفي،
تعين أولاً وضع تعريف له، وهذا ما قام به الباحث جون ماير.
وقد عرف ماير الذكاء العاطفي على أنه يتكون من أربع قدرات، وقام بوضع اختبار يقيس كل واحدة من هذه القدرات.
القدرة الأولى هي الاستيعاب والتعبير بدقة عن العواطف.
أما القدرة الثانية فهي القدرة على خلق العواطف واستعادتها بما يخدم الاستعراف.
أما القدرة الثالثة فهي القدرة على فهم العواطف، أما القدرة الرابعة فهي القدرة على ضبط العواطف.
القدرتان الأوليين متعلقتان بالكيفية التي يشعر بها الشخص بالعواطف، أما القدرتان الأخريين
فتتعلقان بالكيفية التي يفهم بها الشخص عواطفه ويديرها.
وبناء على ذلك قام بالتعاون مع الباحثين ﺳﺎﻟﻮﰲ ﻭﻛﺎﺭﻭﺯﻭ
بوضع الامتحان الأول لقياس الذكاء العاطفي والذي سمي
The Mayer-Salovey-Caruso Emotional Intelligence Test.
يتكون الامتحان من عددٍ من المهام أو الأسئلة التي تقيس جميع مكونات الذكاء العاطفي.
على سبيل المثال، لقياس القدرة على فهم العواطف نعرض على الخاضع للاختبار في المرحلة الأولى
صور وجوه تعبر عن عواطف مختلفة، ونطلب منه ذكر العاطفة التي يعبر عنها الوجه.
في المرحلة الثانية يتم عرض موقف معقد من الناحية العاطفية ويتم سؤال الخاضع للاختبار
عن العاطفة التي قد تكون مفيدة في هذا الموقف.
فيما يلي مثال على موقف من هذا القبيل، حاولوا التخمين بأنفسكم.
عند الالتقاء بوالدي الزوج أو الزوجة للمرة الأولى، ما هي العاطفة التي من شأنها أن
تكون مفيدة إن شعرتم بها: الضغط أم المفاجأة أم السرور؟
لقياس القدرة على فهم العواطف وإدارتها
نقوم بعرض موقف من المتوقع أن يثير عاطفة معينة لدى شخص آخر، كالإحراج أو الذنب،
ونسأل الخاضع للاختبار عن العاطفة التي قد تتولد في هذا الموقف.
مثلاً، إن كان توم يعاني من ضغط في العمل ثم جاء مديره وطلب منه القيام بمهمة أخرى إضافية،
فكيف سيشعر؟
بالصدمة، بالإحباط، بالخجل، بالإحراج، بالعصبية.
كيف كنتم ستجيبون عن هذا السؤال؟
وبالإضافة إلى ذلك فمن أجل قياس القدرة على ضبط العواطف يمكن أن
نطرح السؤال التالي: عادت ديبي لتوها من إجازة، أي الأعمال التالية من شأنها أن تساعدها
في الشعور بالهدوء والرضا كما كانت عليه أثناء الإجازة؟
من الخيارات المقترحة كإجابة للسؤال على سبيل المثال: إعداد قائمة بالأمور التي يتعين عليها القيام بها في البيت،
التفكير في وجهة السفر القادمة، تجاهل المشاعر الجيدة لأنها ستختفي على كل حال من الأحوال.
كيف يمكننا أن نعرف إن كان اختبار الذكاء العاطفي الذي وضعه ماير
وشركاؤه هو اختبار جيد لقياس الذكاء العاطفي؟
لمعرفة إن كان الاختبار الذي قاموا بوضعه يختبر الذكاء العاطفي بالفعل،
فقد قاموا باختبار مصداقيته وصلاحيته.
وقد وجدوا أن مصداقية الاختبار عالية،
أي أن الأشخاص الذين يؤدون الاختبار يحصلون فيه على علامة ثابتة.
كما وجدوا علاقة بينه وبين مقاييس أخرى تختبر قدرات الاستيعاب العاطفي أو
فهم العواطف، أي أنه يقوم بقياس ما يتوقع منه قياسه.
والسؤال الذي يطرح نفسه عند الحديث عن اختبار الذكاء العاطفي هو
إن كانت هناك حقًا إجابة صحيحة واحدة لكل من الأسئلة.
في الاختبارات التي تقيس القدرات المعرفية هناك إجابات صحيحة موضوعيًا،
ولكن هل يمكننا أن نحدد بشكل موضوعي العاطفة الصحيحة التي يجب أن نشعر بها في موقف ما؟
لاختبار صحة الإجابات يتم إجراء اختبارين،
الأول هو الإجابة التي يختارها معظم الأشخاص،
أي أن من يحدد أي الإجابات صحيحة هنا هي الأغلبية.
أما الاختبار الثاني الذي تم إجراؤه فهو طلب الإجابة من أخصائيين في مجال فهم العواطف أو ضبطها،
وقد تبين أن معامل الارتباط بين إجاباتهم وإجابات معظم الناس كان عاليًا جدًا.
وهكذا فقد تم التحقق من صحة الإجابات المختلفة.
صحيح أن هذه الطريقة ليست مرضية تمامًا كطريقة قياس القدرات المعرفية،
ولكننا نتحدث عن مجال بحث العواطف
الذي لا يحتوي على إجابات موضوعية وإنما يتم قياسه استنادًا للمعايير المتعارف عليها ولرأي الأغلبية.
هناك طرق أخرى لقياس الذكاء العاطفي
تتمثل في الإبلاغ الذاتي عن طريق الاستبيانات.
تحتوي هذه الاستبيانات على نقاط مميزة لمستويات عالية من الذكاء العاطفي
من قبيل "لا أجد صعوبة في التعبير عن العواطف بالكلمات".
"أتعامل مع الآخرين بشكل فعال".
"أتمكن في العادة من التأثير على عواطف الآخرين".
ومن ناحية أخرى يحتوي الاستباين على نقاط من الجانب الآخر من المقياس، مثل: "أجد صعوبة في التحكم بمشاعري".
"أميل لتغيير آرائي في أحيان متقاربة".
"في الكثير من الأحيان لا يمكنني تحديد العاطفة التي أشعر بها".
هذه مقولات تصف سلوكًا لا يقول الأشخاص الذي يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء
العاطفي أنه ينطبق عليهم.
وعلى الرغم من وجود علاقة بين اختبار الذكاء العاطفي الذي وضعه ماير وشركاؤه
وعلامات هذه الاستبيانات، فإنها لا تقوم بقياس الأمور ذاتها.
حيث أن الاستبيانات أكثر تأثرًا بما يعتقده الشخص عن نفسه من أن لديه قدرة على
فهم العواطف وضبطها، من الاختبار الذي يشمل أسئلة مختلفة مرتبطة بهذه القدرة.
لقد تم كتابة الكثير من الكتب لعامة الناس عن الذكاء العاطفي،
لأن الأمر أصبح كالمؤشر على النجاح في الحياة.
إن كان الاعتقاد في الماضي يقول بأن من يحصلون على علامات عالية في اختبارات مستوى الذكاء هم وحدهم من ينجحون في الحياة،
فقد ادعى علماء نفس أن الذكاء العاطفي أهم للنجاح في الحياة.
وربما كان شعورنا بأن لدينا قدرة أكبر على تغيير ذكائنا العاطفي وتحسينه منه على
تحسين الذكاء المعرفي هو السبب في أن تصبح الكتب الشعبية في هذا المجال من أكثر الكتب مبيعًا.
ولكن ما الذي تظهره المعطيات؟
لأي القدرات علاقة بالذكاء العاطفي ولأيها لا علاقة به؟
لقد تبين مثلاً أن للذكاء العاطفي علاقة بالتحصيل الدراسي الجيد،
أكبر مما تتنبأ به علامات اختبارات الذكاء المعرفي.
أي أن الأشخاص المتشابهين في القدرة المعرفية،
يحصل أولئك من بينهم الذين يتمتعون بذكاء عاطفي أعلى على علامات أعلى.
كما تبين أن العلامات المنخفضة في الذكاء العاطفي تتنبأ بالسلوك العدواني وبتعاطي المخدرات.
كما أن الأشخاص الذين يحصلون على علامات أعلى في الذكاء العاطفي هم أشخاص يقيمون علاقات أفضل
مع الآخرين ويحصلون على تقدير أكبر من الآخرين.
كما تبين أن الأشخاص الدين يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء العاطفي يتصرفون بشكل أفضل عند التعرض لضغط.
ماذا عن العلاقة بين الذكاء العاطفي والنجاح في الحياة؟
كما تدعي الكتب الشهيرة مثلاً.
هذا سؤال معقد إذ إنه يتطلب أن نقوم أولاً بتحديد المقصود بالنجاح في الحياة.
هل المقصود هو النجاح الوظيفي، أم النجاح في الحياة الشخصية، أم الزوجية، أم في تربية الأطفال؟
هذه المقاييس هي مقاييس بالغة التعقيد ليس من السهل الإجابة عنها، ولذا فإن
العلماء يتجنبون إصدار تعميمات حول العلاقة بين قدرات نفسية معينة
والنجاح في الحياة، ويقومون باختبار كل أمر على حدا.
لقد شعر ماير بإحباط شديد مما فعلته الكتب الشعبية بمصطلح
الذكاء العاطفي الذي قام هو بوضعه.
في ظل النجاح الكبير الذي حققته الكتب الشعبية التي تناولت موضوع الذكاء العاطفي
نشر ماير مقالة تحت عنوان: "الذكاء العاطفي: علم نفس علمي أم شعبي؟"
كتب فيها: " "إنني أدعو الباحثين والمعالجين الجديين للتمييز بين الأسلوب العلمي
والأسلوب الشعبي، والتعرف على ما تم القيام به في حقل دراسة الذكاء العاطفي الذي لازال في بداياته".
ما يعنيه ذلك هو أنه ومن أجل فهم حقيقي لمفهوم الذكاء العاطفي الذي يتميز بالتعقيد،
لا بد من الاطلاع على الأمور كما هي مكتوبة في المقالات العلمية،
حتى وإن كانت تقنية ومملة، وليس في الكتب الشعبية الأكثر مبيعًا.
وهكذا فقد تعلمنا عددًا من الأمور المهمة عن الذكاء وعن العلوم أيضًا،
أولاً، تعلمنا أن قياس الذكاء يتطلب أولاً تعريفه بشكل صحيح.
تعرفنا على الطرق المختلفة لتعريف الذكاء وقياسه في المائة سنة الأخيرة.
الاختبار الأكثر استخدامًا لقياس الذكاء اليوم لازال نسخة محدثة من الاختبار الذي
وضعه ويكسلر في الخمسينات، والذي يتسنى لنا بواسطته قياس مستوى الذكاء، IQ، لكل منا.
ولكن هناك اليوم اهتمام كبير في مجال علم النفس العلمي يهدف إلى فهم أنواع أخرى
من الذكاء، كالذكاء العاطفي الذي يتسنى لنا بواسطته
فهم سلوكيات أخرى لا يستطيع الذكاء المعرفي وحده
تفسيرها.